الرحمة في القرآن
الرحمة : النعمة على المحتاج .
قال ابن فارس :
يقال رحم يرحم إذا رق . والرحم والمرحمة والرحمة بمعنى واحد .
وذكر أهل التفسير أن الرحمة في القرآن على أربعة عشر وجها:
الوجه الأول: الرحمة،
يعني: دين الإسلام. فذلك قوله في البقرة:
{ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ }
يعني: بدينه الإسلام من يشاء. نظيرها في آل عمران.
وفي: حم عسق:
{ وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ }
يعني: في دينه.
وقوله في الفتح:
{ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ }
يعني: في دينه من يشاء. وفي: هل أتى على الإنسان:
{ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ }
يعني: في دينه الإسلام.
الوجه الثاني: الرحمة، يعني: الجنة.
فذلك قوله في البقرة:
{ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ }
يعني: جنة الله.
وقال في آل عمران:
{ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ }
وقال في النساء:
{ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ }
يعني الجنة.
وفي بني إسرائيل:
{ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ }
يعني: جنته.
وفي العنكبوت:
{ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي }
يعني: جنتي.
وكقوله في آخر الجاثية:
{ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ }
يعني جنته.
الوجه الثالث: الرحمة، يعني: المطر.
فذلك قوله في الأعراف:
{ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ }
يعني: المطر. نظيرها في الفرقان.
وقال في الروم:
{ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا }
يعني: المطر.
وقال فيها:
{ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً }
يعني: المطر.
وقال أيضا فيها:
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ }
يعني: المطر.
الوجه الرابع: الرحمة: النبوة.
فذلك قوله في الزخرف:
{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ }
يعني: النبوة.
وقال في ص:
{ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ }
يعني مفاتيح النبوة.
الوجه الخامس: الرحمة، يعني: النعمة والمنة والتوفيق.
فذلك قوله في النساء:
{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا }
يعني: نعمته.
وقوله في النور:
{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ }
يعني: نعمته، في أربعة مواضع في النور. ونحوه كثير ،
وقوله تعالى في سورة البقرة
{ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
يعني المنة والتوفيق ،
ومنه قوله تعالى في القصص :
{ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ }
الوجه السادس: الرحمة، يعني: القرآن.
فذلك قوله في الأنعام:
{ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ }
يعني: القرآن.
وقال في يونس:
{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا }
يعني: القرآن.
وقال في آخر يوسف:
{ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }
يعني: القرآن.
الوجه السابع: الرحمة، يعني: الرزق.
فذلك قوله في بني إسرائيل:
{ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا }
يعني: انتظار الرزق ترجوه من الله.
وفيها:
{ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ }
يعني: مفاتيح الرزق. وفي الكهف:
{ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً }
يعني: رزقا.
وقال فيها:
{ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ }
يعني: من رزقه.
الوجه الثامن: الرحمة، يعني: النصر.
فذلك قوله في الأحزاب:
{ قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً }
يعني: خيرا، وهو النصر والفتح.
الوجه التاسع: الرحمة، يعني: العافية.
فذلك قوله في الزمر:
{ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ
هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ}
يعني: عافيته.
الوجه العاشر: الرحمة: المودة.
فذلك قوله تعالى في الفتح:
{ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }
يعني: متوادين.
وقال في الحديد:
{ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً }
يعني: مودة.
الوجه الحادي عشر: الرحمة، يعني: الإيمان.
فذلك قوله في هود، قول صالح، عليه السلام:
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً }
يعني: نعمة، وهو الإيمان. وفيها أيضا قول نوح، عليه السلام.
الثاني عشر : المغفرة .
ومنه قوله تعالى في الأنعام :
{ فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ }
والثالث عشر : السعة .
ومنه قوله تعالى في سورة البقرة
{ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ
ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ }
.
والرابع عشر : العصمة .
ومنه قوله تعالى في يوسف :
{ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي }.